فصل: قال الثعلبي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.المسألة الْخَامِسَةُ: [في الأنفال والغنائم والفيء]:

قَالَ عُلَمَاؤُنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ، هَاهُنَا ثَلَاثَةُ أَسْمَاءٍ: الْأَنْفَالُ، الْغَنَائِمُ، الْفَيْءُ.
فَالنَّفَلُ: الزِّيَادَةُ كَمَا بَيَّنَّا، وَتَدْخُلُ فِيهِ الْغَنِيمَةُ فَإِنَّهَا زِيَادَةُ الْحَلَالِ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ.
وَالْغَنِيمَةُ: مَا أُخِذَ مِنْ أَمْوَالِ الْكُفَّارِ بِقِتَالٍ.
وَالْفَيْءُ: مَا أُخِذَ بِغَيْرِ قِتَالٍ؛ لِأَنَّهُ رَجَعَ إلَى مَوْضِعِهِ الَّذِي يَسْتَحِقُّهُ، وَهُوَ انْتِفَاعُ الْمُؤْمِنِ بِهِ.

.المسألة السَّادِسَةُ: فِي مَحَلِّ الْأَنْفَالِ:

اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ: الْأَوَّلُ: مَحَلُّهَا الْخُمُسُ.
الثَّانِي: مَحَلُّهَا مَا عَادَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ أَوْ أُخِذَ بِغَيْرِ حَرْبٍ.
الثَّالِثُ: رَأْسُ الْغَنِيمَةِ حَسْبَمَا يَرَاهُ الْإِمَامُ.
قَالَ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ إذَا سُئِلَ عَنْ شَيْءٍ قَالَ: لَا آمُرُك وَلَا أَنْهَاك.
فَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ: وَاَللَّهِ مَا بَعَثَ اللَّهُ مُحَمَّدًا إلَّا مُحَلِّلًا وَمُحَرِّمًا.
قَالَ الْقَاسِمُ: فَسُلِّطَ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ رَجُلٌ فَسَأَلَهُ عَنْ النَّفَلِ؛ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْفَرَسُ مِنْ النَّفَلِ، وَالسِّلَاحُ مِنْ النَّفَلِ.
وَأَعَادَ عَلَيْهِ الرَّجُلُ، فَقَالَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ حَتَّى أَغْضَبَهُ.
فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَتَدْرُونَ مَا مِثْلُ هَذَا؟ مِثْلُ صَنِيعِ الَّذِي ضَرَبَهُ عُمَرُ بِالدِّرَّةِ حَتَّى سَالَتْ الدِّمَاءُ عَلَى عَقِبَيْهِ أَوْ عَلَى رِجْلَيْهِ، س فَقَالَ الرَّجُلُ: أَمَّا أَنْتَ فَقَدْ انْتَقَمَ اللَّهُ مِنْك لِابْنِ عُمَرَ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ وَعَطَاءٌ: هِيَ مَا شَذَّ مِنْ الْمُشْرِكِينَ.
وَعَنْ مُجَاهِدٍ: سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْخُمُسِ بَعْدَ الْأَرْبَعَةِ الْأَخْمَاسِ؛ فَقَالَ الْمُهَاجِرُونَ: لِمَنْ يُدْفَعُ هَذَا الْخُمُسُ؟ لَمْ يَخْرُجْ مِنَّا.
فَنَزَلَتْ: {يَسْأَلُونَك عَنْ الْأَنْفَالِ} وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مِنْ الْخُمُسِ، كَمَا رُوِيَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَنَّ الْإِمَامَ يُعْطِي مِنْهُ مَا شَاءَ مِنْ سَلَبٍ أَوْ غَيْرِهِ؛ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ، وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِ مِنْ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ.
فَأَمَّا هَذَا السُّؤَالُ هَاهُنَا فَإِنَّمَا هُوَ عَنْ أَصْلِ الْغَنِيمَةِ الَّتِي نَفْلٌ عَلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَنَا مِنْ الْحَلَالِ عَلَى الْأُمَمِ.
الْمَعْنَى: يَسْأَلُك أَصْحَابُك يَا مُحَمَّدٌ عَنْ هَذِهِ الْغَنِيمَةِ الَّتِي نَفَّلْتُكهَا.
قُلْ لَهُمْ: هِيَ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ، فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تَخْتَلِفُوا، وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ، لِئَلَّا يُرْفَعَ تَحْلِيلُهَا عَنْكُمْ بِاخْتِلَافِكُمْ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَوْمَ بَدْرٍ: مَنْ فَعَلَ كَذَا وَكَذَا فَلَهُ كَذَا وَكَذَا.
فَتَسَارَعَ إلَى ذَلِكَ الشُّبَّانُ، وَثَبَتَ الشُّيُوخُ تَحْتَ الرَّايَاتِ، فَلَمَّا فُتِحَ عَلَيْهِمْ جَاءُوا يَطْلُبُونَ شَرْطَهُمْ، فَقَالَ الشُّيُوخُ: لَا تَسْتَأْثِرُوا بِهِ عَلَيْنَا، كُنَّا رِدْءًا لَكُمْ، لَوْ انْهَزَمْتُمْ لَانْحَزْتُمْ إلَيْنَا، فَأَبَى الشُّبَّانُ وَقَالُوا: جَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ لَنَا، فَتَنَازَعُوا فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {يَسْأَلُونَك عَنْ الْأَنْفَالِ قُلْ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ}.
وَرُوِيَ: أَنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فِيهَا عَلَى ثَلَاثِ فِرَقٍ؛ فَقَالَ قَوْمٌ: هُوَ لَنَا، حَرَسْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَالَ آخَرُونَ: هُوَ لَنَا، اتَّبَعْنَا أَعْدَاءَ رَسُولِ اللَّهِ.
وَقَالَتْ أُخْرَى: نَحْنُ أَوْلَى بِهَا، أَخَذْنَاهَا، فَنَزَلَتْ: {يَسْأَلُونَك عَنْ الْأَنْفَالِ} وَرَوَى أَبُو أُمَامَةَ الْبَاهِلِيُّ قَالَ: سَأَلْت عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ عَنْ الْأَنْفَالِ، فَقَالَ: فِينَا أَصْحَابَ بَدْرٍ نَزَلَتْ، حِينَ اخْتَلَفْنَا فِي النَّفَلِ، وَسَاءَتْ فِيهِ أَخْلَاقُنَا، فَنَزَعَهُ اللَّهُ مِنْ أَيْدِينَا، فَجَعَلَهُ إلَى رَسُولِهِ، فَقَسَمَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى بَوَاءٍ؛ أَيْ عَلَى السَّوَاءِ.

.المسألة السابعة: [في تسليم الصحابة لرسول الله صلى الله عليه وسلم الأمر في الغنيمة]:

قَالَ عُلَمَاؤُنَا: فَسَلَّمُوا لِرَسُولِ اللَّهِ الْأَمْرَ فِيهَا؛ فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ}.
ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا لِي مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ إلَّا الْخُمُسُ، وَالْخُمُسُ مَرْدُودٌ فِيكُمْ.
فَلَمْ يُمْكِنْ بَعْدَ هَذَا أَنْ يَكُونَ النَّفَلُ مِنْ حَقِّ أَحَدٍ؛ وَإِنَّمَا يَكُونُ مِنْ حَقِّ رَسُولِ اللَّهِ.
وَهُوَ الْخُمُسُ.
وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ: خَرَجْنَا فِي سَرِيَّةٍ قِبَلَ نَجْدٍ، فَأَصَبْنَا إبِلًا، فَقَسَّمْنَاهَا، فَبَلَغَتْ سُهْمَانُنَا أَحَدَ عَشَرَ بَعِيرًا، وَنُفِّلْنَا بَعِيرًا بَعِيرًا.
فَأَمَّا:

.الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ: وَهِيَ سَلَبُ الْقَتِيلِ:

فَإِنَّهُ مِنْ الْخُمُسِ عِنْدَنَا، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إذَا رَأَى ذَلِكَ الْإِمَامُ لِغَنَاءٍ فِي الْمُعْطَى: أَوْ مَنْفَعَةٍ تُجْلَبُ، أَوْ ائْتِلَافٍ يُرْغَبُ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: هُوَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ؛ وَظَاهِرُ الْقُرْآنِ يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ حَقُّ الْمَالِكِينَ.
فَأَمَّا الْأَخْبَارُ فِي ذَلِكَ فَمُتَعَارِضَةٌ، رُوِيَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بِسَلَبِ أَبِي جَهْلٍ لِمُعَاذِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ.
وَقَالَ يَوْمَ حُنَيْنٍ: مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَلَهُ سَلَبُهُ، فَأَعْطَى السَّلَبَ لِأَبِي قَتَادَةَ بِمَا أَقَامَ مِنْ الشَّهَادَةِ، وَقَضَى بِالسَّلَبِ أَجْمَعَ لِسَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ يَوْمَ ذِي قَرَدٍ.
قُلْنَا: هَذِهِ الْأَخْبَارُ لَيْسَ فِيهَا أَكْثَرُ مِنْ إعْطَاءِ السَّلَبِ لِلْقَاتِلِ.
وَهَلْ إعْطَاءُ ذَلِكَ لَهُ مِنْ رَأْسِ مَالِ الْغَنِيمَةِ أَوْ مِنْ حَقِّ النَّبِيِّ وَهُوَ الْخُمُسُ؟ ذَلِكَ إنَّمَا يُؤْخَذُ مِنْ دَلِيلٍ آخَرَ.
وَقَدْ قَسَّمَ اللَّهُ الْغَنِيمَةَ قِسْمَةَ حَقٍّ عَلَى الْأَخْمَاسِ، فَجَعَلَ خُمُسَهَا لِرَسُولِهِ، وَأَرْبَعَةَ أَخْمَاسِهَا لِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ، وَهُمْ الَّذِينَ قَاتَلُوا وَقُتِلُوا، فَهُمْ فِيهَا شَرْعٌ سَوَاءٌ، لِاشْتِرَاكِهِمْ فِي السَّبَبِ الَّذِي اسْتَحَقُّوهَا بِهِ؛ وَالِاشْتِرَاكُ فِي السَّبَبِ يُوجِبُ الِاشْتِرَاكَ فِي الْمُسَبَّبِ، وَيَمْنَعُ مِنْ التَّفَاضُلِ فِي الْمُسَبِّبِ مَعَ الِاسْتِوَاءِ فِي السَّبَبِ؛ هَذِهِ حِكْمَةُ الشَّرْعِ وَحُكْمُهُ، وَقَضَاءُ اللَّهِ فِي خَلْقِهِ، وَعِلْمُهُ الَّذِي أَنْزَلَهُ عَلَيْهِمْ.
وَاَلَّذِي يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبْنَا إلَيْهِ مَا رَوَى مُسْلِمٌ أَنَّ عَوْفَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ: قَتَلَ رَجُلٌ مِنْ حِمْيَرَ رَجُلًا مِنْ الْعَدُوِّ، فَأَرَادَ سَلَبَهُ، فَمَنَعَهُ خَالِدٌ، وَكَانَ وَالِيًا عَلَيْهِمْ؛ فَأَخْبَرَ عَوْفٌ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لِخَالِدٍ: مَا مَنَعَك أَنْ تُعْطِيَهُ سَلَبَهُ؟ قَالَ: اسْتَكْثَرْته يَا رَسُولَ اللَّهِ.
قَالَ: ادْفَعْهُ إلَيْهِ.
فَلَقِيَ عَوْفٌ خَالِدًا فَجَرَّهُ بِرِدَائِهِ، وَقَالَ: هَلْ أَنْجَزْت مَا ذَكَرْت لَك عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَسَمِعَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتُغْضِبَ، فَقَالَ: لَا تُعْطِهِ يَا خَالِدٌ.
هَلْ أَنْتُمْ تَارِكُو لِي إمْرَتِي.
وَلَوْ كَانَ السَّلَبُ حَقًّا لَهُ مِنْ رَأْسِ الْغَنِيمَةِ لَمَا رَدَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ لِأَنَّهَا عُقُوبَةٌ فِي الْأَمْوَالِ، وَذَلِكَ أَمْرٌ لَا يَجُوزُ بِحَالٍ.
وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ ابْنَ الْمُسَيِّبِ قَالَ: مَا كَانَ النَّاسُ يُنَفِّلُونِ إلَّا مِنْ الْخُمُسِ.
وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: لَا نَفَلَ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ.
وَلَمْ يَصِحَّ.

.المسألة التَّاسِعَةُ: [أقسام النفل]:

قَالَ عُلَمَاؤُنَا: النَّفَلُ عَلَى قِسْمَيْنِ: جَائِزٌ وَمَكْرُوهٌ، فَالْجَائِزُ بَعْدَ الْقِتَالِ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ حُنَيْنٍ: «مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَلَهُ سَلَبُهُ».
وَالْمَكْرُوهُ أَنْ يُقَالَ قَبْلَ الْقَتْلِ: «مَنْ فَعَلَ كَذَا وَكَذَا فَلَهُ كَذَا».
وَإِنَّمَا كُرِهَ هَذَا؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ الْقِتَالُ فِيهِ لِلْغَنِيمَةِ.
وَقَالَ رَجُلٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِلْمَغْنَمِ، وَيُقَاتِلُ لِيُرَى مَكَانُهُ، مَنْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ قَالَ: مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَيَحِقُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يُقَاتِلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَإِنْ نَوَى فِي ذَلِكَ الْغَنِيمَةَ؛ وَإِنَّمَا الْمَكْرُوهُ فِي الْحَدِيثِ أَنْ يَكُونَ مَقْصِدُهُ الْمَغْنَمَ خَاصَّةً.

.المسألة الْعَاشِرَةُ: [في قوله تعالى: {قُلْ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ}]:

قَالَ عُلَمَاؤُنَا: قوله تعالى: {قُلْ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ} قَوْلُهُ: {لِلَّهِ} اسْتِفْتَاحُ كَلَامٍ، وَابْتِدَاءٌ بِالْحَقِّ الَّذِي لَيْسَ وَرَاءَهُ مَرْمَى، الْكُلُّ لِلَّهِ، وَقَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ: {وَالرَّسُولِ} قِيلَ: أَرَادَ بِهِ مِلْكًا.
وَقِيلَ: أَرَادَ بِهِ وِلَايَةَ قَسَمٍ وَبَيَانَ حُكْمٍ.
وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا لِي مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ إلَّا الْخُمُسُ، وَالْخُمُسُ مَرْدُودٌ فِيكُمْ وَلَيْسَ يَسْتَحِيلُ أَنْ يُمَلِّكَهُ اللَّهُ لِنَبِيِّهِ تَشْرِيفًا وَتَقْدِيمًا بِالْحَقِيقَةِ، وَيَرُدُّهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَفَضُّلًا عَلَى الْخَلِيقَةِ. اهـ.

.قال السمرقندي:

قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأنفال}، يعني الغنائم واحدها غنيمة نفل، وكذلك قال لبيد:
إنَّ تَقْوَى رَبِّنَا خَيْرُ نَفَل ** وَبِإِذْنِ الله رَيْثِي والعَجَلْ

قال ابن عباس {عَنْ} صلة في الكلام وإنّما هو: يسألونك الأنفال أي الغنائم، ويقال: فيه تقديم ومعناه يسألون عنك الأنفال، ويقال: يسألونك لمن الأنفال؟ يقال: إنما سألوا عنها لأنها كانت محرمة من قبل، فسألوا عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزل: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الانفال} يعني الغنائم.
قال الفقيه حدثنا أبو الفضل بن أبي حفص قال: حدثنا أبو جعفر الطحاوي قال: حدثنا إبراهيم بن أبي داود قال: حدثنا سعيد بن أبي مريم، عن عبد الرحمن بن أبي زياد، عن عبد الرحمن بن الحارث، عن سليمان بن موسى، عن مكحول، عن أبي أمامة، عن عبادة بن الصامت قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بدر فلقي العدو، فلما هزمهم الله تعالى، أتبعهم طائفة من المسلمين يقتلونهم، وأحدقت طائفة برسول الله صلى الله عليه وسلم، واستولت طائفة بالعسكر والنهب؛ فقال الذين طلبوهم؛ نحن طلبنا العدو، وبنا نفاهم الله تعالى وهزمهم، فلنا النفل؛ وقال الذين أحدقوا برسول الله صلى الله عليه وسلم: نحن أحدقنا برسول الله صلى الله عليه وسلم لئلا ينال العدو منه غرة، فهو لنا؛ وقال الذين استولوا على العسكر والنّهب: والله ما أنتم بأحق منا، بل هو لنا نحن حويناه واستوليناه.
فأنزل الله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الانفال قُلِ الانفال لِلَّهِ والرسول فاتقوا الله وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ}، فقسمها النبي صلى الله عليه وسلم بينهم عن فواق أي عن سواء وروى أسباط، عن السدي قال: كانت الأنفال لله ورسوله، فنسخ بقوله: {واعلموا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شيء فَأَنَّ للَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِى القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل إِن كُنتُمْ ءَامَنْتُم بالله وَمَا أَنزَلْنَا على عَبْدِنَا يَوْمَ الفرقان يَوْمَ التقى الجمعان والله على كُلِّ شيء قَدِيرٌ} [الأنفال: 41].
وعن عكرمة ومجاهد مثل ذلك.
قوله تعالى: {فاتقوا الله وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ}، يعني اخشوا الله، وأطيعوه في أمر الغنيمة {وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ} أي ما بينكم من الاختلاف في الغنيمة.
{وَأَطِيعُواْ الله وَرَسُولَهُ}، يعني في أمر الصلح والغنيمة.
{إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ}، يعني إن كنتم صادقين.
ويقال: معناه اتركوا المراء في أمر الغنيمة بأن كنتم مصدِّقين. اهـ.

.قال الثعلبي:

{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأنفال} الآية.
قال ابن عباس: أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال يوم بدر: «مَنْ أتى مكان كذا وكذا فله من الفضل كذا، ومَنْ قتل قتيلًا فله كذا، ومَنْ أسر أسيرًا فله كذا»، فلمّا التقوا سارع إليه الشبّان والفتيان وأقام الشيوخ ووجوه الناس عند الرايات، فلمّا فتح الله على المسلمين جاءوا يطلبون ما جعل النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال لهم الأشياخ: كنّا ردءًا لكم ولو انهزمتم فلا تستأثروا علينا، ولا تذهبوا بالغنائم دوننا.